الخميس، 17 فبراير 2011

السودان وازمة الهوية

السبت، 12 فبراير 2011

حل مشكلة السودان في حل مشكلة المركز


ظلت أزمة الدولة السودانية ممتدة من قبل الاستقلال،عندما بدأت تتبلور إرهاصات بروز دولة السودان الحديثة إلي حيز الوجود بعد أن هبت رياح التغيير في العالم وانتهاء حقبة الاستعمار المباشر(الكولونالية ) ودخول العالم مرحلة وسيطة وهي الاستعمار غير المباشر(الامبريالية)..كانت هناك اختلالات بالغة في الرؤى والتصورات عن ما يجب أن تكون عليه الدولة السودانية...هل تكون دولة مدنية وفدرالية وديمقراطية...كما هي رؤية أبناء الجنوب منذ 1947 أم تكون  دولة مركزية اسلاموية وعروبية كما هي رؤية نخب الشمال الايدولجي والطائفي التي جاءت بالاستقلال في يناير 1956...حيث تم فرض الهوية قبل تشكيل الإطار للدولة..وبذلك بذرت بذور الشقاق لتقود أطول وأبشع حرب أهلية في إفريقيا امتدت(1955-2005)..كانت رؤية أبناء الجنوب واضحة للدولة السودانية ولم تتغير عبر المراحل الثلاث ،الاستعمار المباشر1947 ،الاستعمار غير المباشر(اتفاقية أديس أبابا 1972) حتى ألان أيضا في النظام  العالمي الجديد ومرحلة(الشراكة-الديمقراطية)(اتفاقية نيفاشا 2005-2011) المدعومة دوليا... وللأسف تم توقيع أفضل اتفاقية مع أسوا نخبة حاكمة وهي حزب المؤتمر الوطني ومشروع الأخوان المسلمين الوافد من خارج الحدود والذي أثبتت التجارب  المريرة فشله في السودان(تجربة الرئيس الراحل نميري 1978-1985) ...فقط تم إعادة إنتاجه مرة أخرى ونفس الرموز في يونيو 1989 بما بعرف بثورة الإنقاذ ليستمر التمادي في نقض المواثيق والعهود حتى بعد فشل تجربة الإسلاميين الثانية وفجرهم الكاذب الجديد وبشهادة الكبار منهم...وأضحينا ألان في مفترق طرق...شريعة الأخوان المسلمين المزعومة أم الجنوبيين !!... ولكن في حقيقة الأمر لا يعدو مشروع التوجه الحضاري أو ثورة الإنقاذ سوى نظام رأسمالي طفيلي يهيمن على السلطة والثروة ولا يختلف كثيرا عن الأنظمة العربية المركزية التي أضحت خارج التاريخ وتتداعى ألان..وليس أزمة دين أو عرق..بل منظومة رأسمالية تعزل الآخرين من غير الجنوبيين أيضا..حيث ظهر ألان انه صراع بين المركز والهوامش الأربعة وليس بين الجنوب والشمال كما شخصته بصائر أبناء جنوب السودان منذ أمد  بعيد وما يؤكد ذلك فصيل الأسود الحرة الذي انضم للتجمع الوطني وهو يمثل  قبيلة الرشايدة العربية الأصلية وتمرد أبناء دارفور المسلمين ضد السلطة المركزية وأبناء كجبار والمناصير..الخ...وهذا ينفي تماما عملية  تحوير الصراع بأنه عرقي أو  ديني كما يروج له بعض  الأخوان المسلمين في الميديا العربية...الصراع بين رؤيتين فقط ،الدولة المدنية الفدرالية الديمقراطية وهذه تمثلها القوى الديمقراطية السودانية الحقيقية وبين الدولة المركزية الفاسدة والفاشلة والفاشية ويمثلها حزب المؤتمر الوطني وبعض قوى السودان القديم...
عندما تم توقيع اتفاقية نيفاشا في 2005  كانت هذه الاتفاقية خارطة طريق واضحة المعالم نحو الدولة المدنية الفدرالية الديمقراطية التي تشكل نهاية التاريخ في السودان وبداية الجغرافيا والتنمية وحتى يتأكد ذلك وضعت انتخابات في منتصف الفترة من اجل التغيير في الأشخاص الذي يقود إلي التغيير في الأوضاع وكانت هناك فرصة كبيرة لقطاع الشمال لنقل مشروع السودان الجديد شمالا..وإذا كانت هذه الانتخابات حرة ونزيهة وهذا التغيير كان كافيا للقضاء على الدولة المركزية القابضة في الشمال ليس من بداية ثورة الإنقاذ بل من الاستقلال ولكن دائما في السودان بلد العجائب تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن... أصر أهل المؤتمر الوطني الذين حتى هذه اللحظة لا ندري هل هم حزب أم تنظيم وشتان ما بين الحزب الطبيعي الذي ينشا من تراب البلد والتنظيم الوافد من خارج الحدود...أصروا أن يفسدوا آخر جزرة تقدم بها المجتمع الدولي وهي الانتخابات الحرة..وبما أن التغيير أضحى صيرورة تاريخية سواء بالعصا أو الجزرة...فشلت الجزرة وعادت العصا الدولية تهدد السودان وأدت إلي مزيد من الضغوط بإضافة تهمة الإبادة الجماعية التي جعلتنا قاب قوسين أو ادني من الفصل السابع الذي هدم دولة العراق القديم...واليوم نحن في مرحلة آخر استحقاقات اتفاقية نيفاشا الهامة وهو استفتاء أهل الجنوب ودخلنا مرة أخرى في مرحلة المزايدات الرخيصة وغير المسؤلة..ومن الواضح الآن كل المؤشرات تدل على أن أبناء الجنوب اختاروا بذرة خلاصهم على مبدأ آخر العلاج الكي..ودقت طبول الانفصال المدعوم دوليا..وانتهت مشكلة الجنوب وستبدأ مشكلة الشمال التي تتجلي في أزمة دارفور والمحكمة الجنائية الدولية ومنطقة آبيي والمشورة الشعبية في جنوب كردفان والنيل الأزرق....
هل يا ترى توجد شمعة في نهاية النفق؟؟
اعتقد إذا تواضع أهل المؤتمر الوطني ومن خلال برلمان المركز الحالي وبقدر من المسؤولية وسعوا بأنفسهم بالتصالح مع الذات أولا ثم مع الآخرين وتمتعوا بأخلاق الفرسان التي تناسب المرحلة عبر العالم وقاموا بتفكيك دولتهم المركزية الشمولية إلي دولة وطن يسع الجميع...وبآلية اتفاقية نيفاشا نفسها بإعادة هيكلة الشمال بإعادة الأقاليم الخمسة"دارفور وكردفان والشمالي والشرقي والأوسط) في حدود 1956 ..وإجراء انتخابات تكميلية للبطاقات رقم 9،10،11،12 وهي تمثل حكومة الإقليم ونائب الرئيس..حرة ونزيهة تشارك فيها الأحزاب المسجلة وحركات دارفور..بالتأكيد سيزول الاحتقان الداخلي إلى بدوره سيقود لزوال الضغوط الخارجية...وإذا حدث تغيير فعلي كهذا حتما ستتغير خيارات أبناء الجنوب...فهم لم يحاربوا الشمال الجغرافي بل الدول المركزية وعندما تتشكل  الأقاليم الخمسة في الشمال وتتماهي مع الإقليم الجنوبي بنفس الصلاحيات الدستورية سيكتمل عمليا بناء الدولة السودانية الحديثة المكونة من ستة أقاليم دون خسائر في الأرواح أو الممتلكات..لذلك لن يجدي الحديث عن الوحدة الجاذبة"والمناظر هي ذاتا والصور نفس المشاهد"...لابد أن يحدث تغيير جذري في الشمال دون أن يتضرر احد...وذلك حتما لن يكون بالفصل السابع الذي يهدد مستقبل السودان..بل عبر الدستور والبرلمان المركزي والنوايا الطيبة والاعتراف بالأخطاء والاعتذار والمصالحة الوطنية الحقيقة ويقدم السودان درس جديد للعالم...مثل دروسه الماضية في التحول الديمقراطي