إن القرآن نزل يخاطب العقل الإنساني السليم والخالي من الهوى وذلك بتثبيت قيم الحق ومحو الباطل ولكن لأن العقل الإنساني يتعرض لنوازع الهوى ودواعي الجبلة نجد أنه كثيراً ما ينحرف عن جادة الطريق ، بما أن القرآن يحمل رسالة عالمية فقد كان لا بد له على مر العصور أن يتفاعل مع الأفكار والقيم المتوارثة والسائدة والمعاصرة في نفس الفترة الزمنية .إن المعرفة أو الفهم الذي يقذفه الله تعالى في قلوب من يشاء من عباده سواءً من داخل الأمة الإسلامية ، علماء المسلمين أو خارج الأمة الإسلامية ، علماء الملل الأخرى ، هذه المعرفة ليست مطلقة بل نسبية ، كما إنه لا يوجد أحد يملك علم مطلق على حسب القاعدة الربانية ، قال تعالى ] فوق كل ذي علم عليم] (76 يوسف)لذلك تطلب عالمية الرسالة الإسلامية أن ينهض علماء الإسلام بالفكر الإسلامي إلى مستوى العصر بفتح باب الحوار والحجة والمنطق العلمي السليم وليس الانسحاب بعيداً عن منابر الحوار واتباع وسائل عنيفة للتعبير بالصورة المؤسفة التي جعلتنا أشبه بالعنكبوت التي أتخذت بيتاً ، قال تعالى [ مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت] (41 العنكبوت) .إن القرآن كمنهج عقلي رباني يطالب الناس بتداول الأفكار والمعرفة ومن خلال هذا التفاعل والتلاقح الفكري يولد الحق ويمحق الباطل حسب القاعدة الربانية ، قال تعالى [ أنزل من السماء ماءً فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبداً رابياً وما يوقدون عليه في النار إبتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال] (17 الرعد).لذلك نجد أن المناظرات العلمية هي أكبر الأسس العلمية لظهور الحق وأنسبها للقرن العشرين ، كما رأينا في الماضي أن الأنبياء كانوا دائماً يلجأون للمحاورة مع أهل الباطل بكل لباقة واقتدار كما فعل سيدنا موسى مع فرعون وسيدنا إبراهيم مع النمرود .ومن كل ذلك نجد أن قيم الحق باقية لأنها هي الأصلح والبقاء دائماً للصالح مهما كثر الخبيث .إن نسبية المعرفة تدعوا إلى تداول المعرفة على أوسع نطاق في العالم الذي أصبح قرية صغيرة مزودة بكل وسائل ووسائط الإعلام . إن التفكير العقلي والتعامل المباشر مع القرآن والسنة في القضايا المعاصرة قد يكون أكثر إيجابية من تناول تفسيرات قديمة لقضايا مستجدة فيما يعرف بالتفكير النقلي قال تعالى [ إذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه أباءنا أوَلو كانوا أباؤهم لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون] (104 المائدة).قد ترون في هذه الآيات إستشهاداً بعيداً ولكن بالرجوع إلى حديث الغرباء ( بدأ الاسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبا للغرباء، قيل : من هم الغرباء؟ قال : الذين يحيون سنتي بعد إندثارها) (صحيح البخاري) نحن نرى ملامح اندثار السنة في كثير من مجتمعاتنا العربية والإسلامية وانصباب هذه المجتمعات في قوالب العرف والفقه والتفاسير اللاحقة في العصور الوسيطة التي بيننا وبين القرن السابع ، رغم ما شاب تلك العصور من ظلم واستبداد .
الأربعاء، 3 سبتمبر 2008
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق