الأحد، 6 يوليو 2008

الفجر الكاذب






كنا ندرس في المرحلة الإبتدائية أيام زمان وفي كتاب القراءة العربية المدعم بالصور، قصة ذات تسلسل منطقي، بها عدد من صور الحيوانات في توالي منتظم تبدأ بصورة فأر وتنتهي بصورة بقرة والتعليق كالآتي: هذا هو الفار الذي أكل الدخن الذي في بيت أم الحسن وهذه هي القطة التي قتلت الفار الذي أكل الدخن في بيت أم الحسن وهذا هو الكلب الذي قتل القطة التي قتلت الفار الذي أكل الدخن في بيت أم الحسن، هذه البقرة التي رفست الكلب الذي قتل القطة التي قتلت الفار الذي أكل الدخن الذي في بيت أم الحسن. على ضوء هذه القصة الطويلة نبدأ مشوار بحثنا في العقل العربي والمؤثرات الداخلية التي قادت إلى تقويض وإجهاض المشروع الحضاري العربي والتقهقر إلى الوراء، حتى نتناول هذا الموضوع الشائك والمعقد لا بد من مسح شامل وكامل لبيت أم الحسن (الوطن العربي)، مهما ادعى الإنسان من خبرة ووعي لا يمكن أن يلم بكل المؤثرات التي أدت إلى ما نحن عليه اليوم من فرقة شتات. قد نجد أحيانا أن معظم الدراسات التي طرحت عن هذا الموضوع "نقد العقل العربي" تتحرك أفقيا، أي في حدود الفار الذي أكل الدخن ... ولكننا هنا نريد أن نغوص راسياً في جذور المشكلة، إلي البقرة التي رفست الكلب!!بعد هذه المقدمة الموجزة لنلقي الضوء أولا على طبيعة البيئة التي ينشأ فيها الإنسان العربي حتى تعرف العلة الفاعلة في تخلف العقل العربي تبدأ بمؤسسة الزواج. فمؤسسة الزواج فاشلة من أساسها تبني على أسس مادية أو طبقية أو عنصرية وليس على أسس معنوية وعاطفية قوامها المودة والرحمة...حيث يظن بعض الناس أن الزواج هو إشباع الرغبات الجنسية فقط ويحاط الزواج بطقوس وتابو وتعقيدات تجعل منه شيئا بشعا، رجل وامرأة يجدان نفسيهما مقيدين برباط ناجم من تصلب الأباء وتلعب التركيبة البابوية للعائلة العربية دور فعال في صنع هذه الأوضاع المفروضة وتمضي رحلة العمر على غرار الجحيم هو الآخرون•....ينشأ الأطفال وهم يعانون من الاضطرابات الوجدانية في ظل هذا الجو المشبع بالكراهية أو يتم الطلاق(أبغض الحلال عند الله) فيتشرد الأطفال....إن الإنسان حتى ينشأ سوياً يحتاج إلى حنان موجب من الأب وحنان سالب من الأم فيما عدا ذلك تختل شخصية الطفل، لذلك كان يجب أن تتوفر حرية الاختيار للطرفين في قضية الزواج لضمان نجاحه واستمراره. إذا انتقلنا إلى جانب آخر نجد التركيبة السلوكية للأسرة، ينشأ الطفل تحت قهر وتسلط الأب في المنزل ثم يمتد هذا القهر إلى المدرسة ثم إلى العمل فيقع تحت نير الرئاسة المباشرة وعندما يحاول التعاطي مع السياسة على استحياء يواجه بقمع السلطة، فتتحطم دواخل الإنسان العربي ويصاب بسايكلوجية الإنسان المقهور، يحركه في الحياة دافع الخوف والطمع ويحاول التنفيس عن هذه الأحقاد المكبوتة في شكل علاقات صداقة باهتة موبوءة بالنميمة والحسد والنفاق الاجتماعي والكذب حتى إن لم يكن له داعي، تحت ضغط هذه المباذل يضمحل الحب ويختفي من حياتنا كأسمى قيمة معنوية وروحية في الوجود، وتتصحر مشاعرنا ويتحول مشوار الحياة إلى رحلة مملة من المنبع إلى المصب دون أن يقدم الإنسان العربي بعقله المكبل بالأغلال أي شيء للحضارة الإنسانية المعاصرة، أي شيء يتجاوز الغرائز إلا من رحم ربي .. وفي الحالة الأخر غياب الأب المزمن أو الدائم لاسباب اقتصادية أو سياسية ينشأ الطفل مضطربا وجدانيا من غير انتماء للأسرة التي تعجز الأم على إدارتها بمفردها وتذلك يصاب الإنسان بالانعزالية والسلبية ويختل بالنسبة له مفهوم الوطن والانتماء، فإذا كان الإنسان فاقد الانتماء للأسرة فما بالك للوطن!! فيتحول إلي قنبلة موقوتة ولقمة سائغة لأي يد عابثة تريد أن تهدد مقدرات الأمة العربية ومكاسبها. في هذا المستنقع الآسن عملت الامبريالية/ الصهيونية العالمية بأصابعها الخفية على تشويه وتلويث المجتمعات العربي بصناعتها لنوعين متناقضين من العقول أولهما مصدّر تحت ديباجة صنع في الغرب وهم اللذين تلقوا دراساتهم العليا في جامعات الغرب الشهيرة السربون(فرنسا)، اكسفورد(بريطانيا)،هارفارد(أمريكا) وغيرها، والعقل الآخر مصدر تحت ديباجة صنع في أفغانستان وهم أيضا من حملة الشهادات العليا من أقسام الدراسات الإسلامية في الجامعات الغربية واللذين تتلمذوا على يد علماء الدين (اللاهوت) اليهود، هذا النوع من العقول كان من أبشع إفرازات الحرب الباردة بين المعسكر الرأسمالي(أمريكا) والمعسكر الاشتراكي (الاتحاد السوفيتي) على ضوء ما ذكرنا آنفا انقسم العقل العربي إلى ظل ذي ثلاثة شعب النوع الأول انبهر بالحضارة الغربية المادية الزائفة(واللذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم ) سورة محمد. فأخذ يتمظهر بها من حيث الشكل والمضمون ويمتاز صاحبها دائما وهو من حملة الشهادات العليا بالنرجسية واحتقار المجتمع الذي نشأ فيه (القرية) ثم ادعائه الزائف بأنه يفهم قضايا العباد والبلاد، يتسلم هذا النوع المناصب العليا ولا تتجاوز إنجازاته حدود الذات المترفة، بينما أهله الطيبون في القري المظلمة يتحدثون عن أبنهم الدكتور(الوزير) بكل فخر واعتزاز تجده يمتطي الطائرات من مؤتمر إلى آخر، تلك التجمعات الشوفينية الكئيبة حيث تسمع جعجعة ولا ترى طحينا، وتكملة للديكور لا بد أن يمتلك مؤسسة ثقافية فكرية تقوم بقمع كل محاولة للنهوض بالفكر محليا وتفتح الباب للأفكار المستوردة والمعلبة من الغرب بصرف النظر إذا كانت هذه الأفكار ملفوفة بورق السولفان أو ورق التوليت. وتغرق الساحة العربية بمفردات ما أنزل الله بها من سلطان أما النص بالنسبة له هو ما قاله فلاسفة الغرب ومنظريه ويدافع عنها بضراوة ويحتقر النصوص الدينية التي لا يراها توافق هواه لذلك سمي هذا النوع جزافا بالعلمانين.. ونحن نهدي إليهم في هذه العجالة جزء مما قالته صحف الغرب الذي يعشقونه عن العرب نقلا عن مجلة روز اليوسف المصرية حيث نشرت مجلة بيلوت الفرنسية في عددها الصادر في سبتمبر 1979 م تقول فيه وصفا للعرب (يلبسون الأغطية ويضعون أكياس على رؤس نسائهم ويتجشأون أثناء الأكل، يغتسلون بالرمال ويضاجعون الأطفال. دينهم دين بليد يحاولون تمريره إلى كل السود في العالم، من شيمهم الجبن عندما يدخلون في عراك مع البيض ومع ذلك لا يترددون في ذبح بعضهم البعض وفي قطع أيادي السارقين، يضعون القنابل أينما حلوا وأرتحلوا، وفي حوزتهم ثلث نفط الأرض، يكرهون اليهود، لأن هؤلاء وحدهم يمتلكون انوفا أبشع من أنوفهم).***النوع الثاني من العقول أختار الأنغلاق والتقهقر إلى الوراء وأعلن حربا شعواء على كل مظاهر الحداثة التي تكتنف الحياة المعاصرة ويتمظهر بأشكال ارجوزية أضحت مثار سخرية المواطنين وقد زاده صلفا وغرورا تشبيه حاله بالّمخلص وأعداءه بالجاهلية. هذا العقل المتكلس يكمن الخلل فيه لتقديسه للنصوص الفقهية ويعاني من الفصام الاجتماعي، له خطاب عاطفي غث لا يسمن ولا يغني من جوع، يدغدغ مشاعر الناس ولا يطرح أبدا حلولا منطقية أو علمية تتعلق بحياة الإنسان ويقود حرب ضد المجتمع وكل من يخالفه الرأي وهو أيضا يعاني من النرجسية وإنجازاته لا تتجاوز حدود الذات والغرائز، هذه العقلية الهلامية يصعب ضبطها تحت المجهر ومموه بعناية، بينما تجلس القيادات في الغرب تحت حماية مركزة من المؤسسات الامبريالية/ الصهيونية تقوم القواعد المتشنجة بهدم وتفتيت الجبهة الداخلية للدول العربية بضربها لاقتصاديات تلك الدول وزرعها للفتن بين الطوائف أو بين التيارات الإسلامية نفسها ويحيطون أنفسهم دائما بأجواء مرعبة وذلك لوسائل التعبير الغريبة التي يتعاطونها والتي تتراوح بين الراجمات في أفغانستان إلى القنابل في مصر إلى الساطور في الجزائر إلى الكذب الضار في باقي الدول العربية. وأكثر ما يميزها ويربطها بالدوائر الاستعمارية المشبوهة، هو هذا الأسلوب الحربائي المتلون والتبريري الذي يقود إلى قتل النفس التي حرمها الله، وهو أسلوب فيه كثير من ملامح الفلسفة البراغماتية الأمريكية وأيضا يظهر جليا في تعاطيهم مع أدوات الحضارة المعاصرة، تجد القيادات تمجدها وتقتنيها تحت شعار(سبحان الذي سخر لنا هذا) بينما القواعد تعيش حياة اقرب إلى حياة الحيوانات في الكهوف والأقبية، ولا يسعنا إلا أن نستشهد بآيات من الذكر الحكيم لتوجز لنا هذه الحالة(وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون إلا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون) أن الامبريالية الصهيونية العالمية هي التي أوجدت هاتين العقليتين المريضتين و نشرتهما بصورة وبائية بالمنطقة العربية , العلمانيين و الفاسدين من جهة والأصوليين من جهة أخرى هذه هي طيور الظلام• التي خيمت بأجنحتها السوداء على امتنا العربية و تتجلى في ابشع صورها في الجزائر , هاتين العقليتين هما طرفا الرحى التي طحنت الشعوب العربية وأهدرت مكاسبها بينما يعيش على قشور الحضارة الغربية و مباذلها ومن يعيش على قشور الإسلام والتمظهر به شكلا بالكحل و الخضاب و الأثواب القصيرة و اللحى الضخمة و السحنات المقلوبة بالنسبة للقواعد البدل الغربية الفاخرة للقيادات .ان قابلية الإنسان العربي لتوثين الأحياء و الأشياء هي التي كبلت عقله و جعلته يحيل كل إنسان او نص إلى وثن و قد قال الله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام (ما هذه التماثيل التي انتم لها عاكفون قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين* قال لقد كنتم انتم و آباؤكم في ضلال مبين ) سورة الأنبياء.لنأتي الى النوع الثالث من العقول المستنيرة : محطات الإنذار المبكر , رواد النهضة الحقيقية المنتشرين كالنجوم في سماء "امتنا" الحالك السواد ,تلك القوى المتجردة التي تعمل في صمت لبعدها عن مراكز القرار و تعاني من الحزن النبيل ... ان مفتاح الحل يكمن في الديمقراطية و حتى تتوفر هذه الجميلة المستحيلة • لابد أن يربى الناس التربية الديمقراطية الحقة ابتداء من الآسرة ثم تمتد إلى المجتمع وفقا لقاعدة ((ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)) : إذا لابد من وجود الإنسان الديمقراطي والمثقف الشعبي الذي ينزل من الأبراج العاجية الى الشارع العربي ويتحمل مسؤولية اكثر من 250 مليون إنسان عربي مغيب تماما في غيبوبة شاملة : ...***حتى الديمقراطية نفسها لا تعني شيئا بالنسبة للمؤسسات الاستعمارية، لان الديمقراطية تعمل على تهيئة جو صحي ومعافى لتوعية الشعوب العربية والغرب يستغل هذه الشعوب ولا يريدها أن توعى وتنهض لذلك يسعى لتقويضها بواسطة طابوره الخامس والسادس المذكورين آنفا باعادة انتاج مرحلة انتهت الي مرحلة جديدة قوامها الشعوب تقرر.

ليست هناك تعليقات: