السبت، 21 يونيو 2008

لاشيء يعدل الوطن





فى عام1970 عدنا من لبنان حيث كان أبى الذي تخرج من الجامعة الأمريكية في بيروت..بعيني طفل كنت أتتذكر معالم مدينتنا عطبره,حي الداخلة الذي نقيم فيه سألت عن أصدقائي و وصديقاتي تفرقوا ومن مات مات،سهام صديقة الطفولة ماتت سقطت من با ص الدامر كعادة الأولاد الشوطين التعلق بمؤخرة البص لازلت اذكر شعرها الذهبي وملامحها الغجرية,على ود فرحين هكذا نسمى أصدقاء الطفولة بأمهاتهم،غرق في النيل،كان من اعز أصدقائي هكذا كانت الحياة في منظوري الطفولى رحيل دائم من المنبع إلى المصب بين محطتين يمتد عمر الإنسانالأمر الأكبر والأجمل هذا العام كان زواج عمى حسين الذي كان يعمل محاسبا في مستشفى عطبره ولكم إن لا تصدقو مدى حب السودانيين للفرح أنذراك لمجرد زواج موظف بسيط مثل عمى حسين ..انتشرت إرهاصات الفرح وعمت كل الأهل والأصدقاء في المدينة واصبح البيت خلية نحل،تم حجز عربة قطار كاملة..لان الزواج سيمتد من المدينة ألي بلدتنا في الشمال مورا..التي هاجر منها جدي احمد الأمين كهجرة النخيل وكان النزوح ألي مدن النخيل بعد ظهور مرفق السكة حديد وسودنه الخدمة المدنية التي استوعبت كل هجرات الشمال...إلى ذلك الوقت من السبعينات كانت الهجرة معقولة،كانت الأرياف عامرة بالخضرة والماء والوجه الحسن دعونا نعود للهجرة العكسية لحصاة التمر التي أمثلها أنا ورحلة العودة للبحث عن الجذور عبر كرنفال الفرح الذي يجسده زواج عمى حسين الطيب الذي اجله كثيرافي يوم السفر تقاطر الناس من كل حدب وصوب الجدود والاعمام والعمات وامتلأت عربة القطار عن اخرها وسط أهازيج الفرح وضرب الدفوف،تم إلحاق العربة بقطار كريمة الذي يسافر شمالا إلي مدينة كريمة.بدأت الرحلة وأنا أجلس عند النافذة واشاهد المحطات تتوالى ومعالم الخضرة وحقول القمح تمتد كالبساط وأشجار النخيل تقف في جلال علي مد البصر .. كانت الرحلة طويلة وجميلة إلي مدينتنا كريمة. ممن هناك تم توزيع الناس في عربات بد فورد نيسان السودان .. كم تم توزيع الباقين علي الباخرة النيلية . كانت هناك العديد من البواخر التي تمخر الماء بين دنقلا وكريمة لها أسماء جميلة "عطارد ـ كربكان ـ الزهراء ـ الجلاء " كان نصيبنا نحن والأسرة أن نسافر بميكروباس فورد إلي مورا .. بدأت الرحلة ليلا وانطلقنا في بحورمن الرمال علي اليمين وحقول لا نهائية من القمح علي اليسار ... وصلنا بيت جدي الكبير المتعدد الحجرات .. كانت "البلد" كما نطلق عليها مليئة بالناس والحياة .كما أن زواج عمي ألبسنا حلة من الفرح المقيم ، تم توزيع المدعوين علي كل بيوت البلدة حيث فرش الديوان بالملايات الزاهية وفرشت الارض بالرمال النظيفة وعلي ما اذكر استمر العرس أربعين يوما بكل طقوسه الكثيرة .آنذاك كما أخبرتكم نحن شعب له قدرة غير عادية علي صناعة الفرح .. كانت جرار من المشهيات الروحية البلدية تقبع مدفونة إلى منصفها في أرض السقائف الباردة وهي جزء أساسي من طقوس العرس .. الناس بقيت معنا وهي خمور مصنوعة من التمر والذرة ولها أسماء عدة "الدكاي ، البقنية، والشربوت"أما الطرب فمن النوع الشعبي والعزف علي آلة الطنبور مع كورس والتصفيق بالأيادي وإيقاع خاص بمنطقة الشايقية سمي الدليب وآخر يسمي الشتم .. والرقص مختلط حيث يقف الرجال صفوف ويضربون بأرجلهم إيقاعات اشبه بألدبكة اللبنانية وترقص النساء رقصة الوزين وهي تشبه عملية الغزل بين الطيور ..وما أشبه أهلي الطيبون بالطيور... حقول القمحأكثر ما أسعدني آنذاك الخضرة الممتدة من النيل حتى تخوم القرية حقول القمح والبرسيم وأشجار النخيل والمانجو والليمون.. كانت المزارع تسمي "التحتانية" لأنها جهة النيل .المنظر الثاني هو الرمال التي تجسد الزحف الصحراوي ، تلك الرمال العنيدة التي تمطتي ظهور البيوت في رغبة وقحة لدفن القرية .. من أجمل السيموفنية في اذني عند الغروب ثغاء البهائم ونهيق الحمير وصوت طلمبة الماء الذي يتداعي من بعد ( وق ـ دق ـدق ...دق" أما سيموفنية الصباح فتبدأ بصياح الديك ونداءات أهل القرية ، انهم اهل القري ينامون باكراً ويستيقظون باكرا قبل شروق الشمس . كما كانت تفعل جدتي الحرم ..هذه الجدة الحديث عنها يطول ومن الذكريات مكان أخر سيموفنية كانت صوت الطواحين في سوق البلدة الصغير وهي تطحن القمح السوداني الذي نزرعه في حقولنا "تك.. تك... تك.." هذا القمح الطاهر الذي تنتجه حقولنا تقوم النساء بعجنه وإنضاجه علي نار "الدوكة" وهي قطعة مستديرة من الفولاذ الصلب ،سوداء بفعل السخام تجلس علي ثلاثة اسافي "إدايات " ويوضع الوقود من جريد وحراشف النخيل (الكروق) ونحن نصنع نوعين من أقراص الطحين احدهما سميكة في الفطور والأخرى رقيقة مثل القماش الرحلة الثانية إلي الجذورخيمة السعودية دف ما بتدفيكلبن اليهودية بلدك ينسيكقمحا جاك من أمريكاخازوق ركب فيكـــا ما بكفيك غير خير بواديك• مضت عشر سنوات علي الرحلة الأولى بحثا عن الجذور...نحن الآن في عام 1980م في العطلة الصيفية ،أغسطس .. هذا العام تقرر أن تنزل الوالدة إلى البلد للأشراف علي عملية حصاد التمر (حش التمر) وكنت أنا مرافق ومعي خالد ابن خالتي والذي أراه لاول مرة ، ذلك لأنهم كانوا في غرب السودان ـ لان والده يعمل في السكة حديد .. خالد أصبح من أعز أصدقائي وأقرب ا نسان إلى قلبي ..وذلك للرحلة الجميلة بالقطار ولكن هذه المرة تقدم بنا العمر ولم نعد أطفال .. اختبرت هذا العام لدخول الجامعة..بدأ الترهل يدب في مرفق السكة حديد وأصبح هناك قطار واحد في الأسبوع يزحف كالسلحفاة عبر محطات ، كانت مظاهر الجدب واختفاء حقول القمح التدريجي من كل المناطق التي لا زالت ذكراها الخضراء عالقة في ذاكرتي الطفولية ,وصلنا مدينة كريمة وركبنا سيارة إلي مورا ثم إلي كوري بلد أمي .. هناك يبدو أن الرمال انتصرت أخيرا . كانت البيوت شبه خالية فقد تهدم بيت جدي الذي كنت أعتز به كثيرا ، تساقطت معظم حجراته وبدت البلدة خالية وكئيبة، تغيرت المعالم والعادات وهاجر معظم الشباب وبقي الرعيل الأول من الأجداد يشرف علي أشجار النخيل، اختفت حقول القمح واختفت الطواحين وظهرت الأفران والخبز الإفرنجي الفاخر الناصع البياض كغرف المستشفيات .. وظهرت المعونة الأمريكية وتلوثت بلادنا بالدقيق الأمريكي{Double Zero}وبدأ السحت يغزوا أجسادنا ودب فيها الوهن ..أخذت تسير من سئ الي أسوأ . جلسنا في البلد خمسة عشر يوما تقريباً .قمت مع أمي وابن خالتي بالاشتراك في عملية حصاد التمر ووضعه في جوالات وجاء كبار التجار لشراء التمر بثمن بخس ..ثم عدنا مرة أخري إلي كريمة ومنها بالقطار إلي عطبرة .. انتهت رحلتي الثانية إلي الشمال وأنطبع في ذاكرتي شئ واحد .. أن هناك أشياء بدأت تموت ببط شديد ، شئ أسمه الريف السوداني الغني بالناس و المشاعر الفياضة وإن الزحف والهجرة إلي مدن النخيل أتخذ شكل وبائي ... وكما عبر شاعر العامية محمد الحسن سالم الحميد ( الحزب الشيوعي السوداني ) من أبناء الشمالية بكلماته البسيطة عن الملعونة الأمريكية {وما هي إلا إرهاصات للجوع الذي جاء لاحقاً ودخل السودان من النفق المظلمThe American Disgusting Policy"عن هذه الانهيارات الثمانينية والصعود المذهبي الأصولي، كتبت محاولتي الروائية الأولي ،أبناء محمد أحمد والتى غيرت اسمها لاحقا إلى "الساقية" وقمت بطباعتها في اليمن سنة2005 التي حاولت تغطية فترة الصعود (1969 ـ1977)ثم الانهيار (1978 ـ1985) ونقطة التحول كانت المصالحة الوطنية التي أتت بالقوى الرجعية (الجبهة الوطنية) برموزها والمبتذلة إلي ثورة مايو الاشتراكية و أجهضتها

ليست هناك تعليقات: